المسيح قام بالحقيقه قام
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

حرية الكذب

اذهب الى الأسفل

حرية الكذب Empty حرية الكذب

مُساهمة من طرف the gospel الإثنين 3 مارس 2008 - 23:15

حرية الكذب
بقلم: جمانة حداد


كم مرة قرأنا على الصفحة التي تمهّد لرواية ما: "شخصيات هذا العمل خيالية، وكل تشابه مع اشخاص حقيقيين هو محض مصادفة". هذا التنصّل من الواقع بات اليوم غير ضروري، مع صعود مدّ ما يسمّى "التخييل الذاتي" في الأدب، الذي ينتج أعمالا هجينة بين الرواية والسيرة.
ولد تعبير "التخييل الذاتي" في فرنسا الثمانينات، وهو يعني كتابة سيرة متخيّلة، ينصهر فيها الكاتب والراوي والشخصية الرئيسية ليشكلوا "أنا" وهمية، ثلاثية الهوية، تتأرجح بين الواقع والخيال وتعتمل بتناقضاتها. كثرٌ هم الذين ينتقدون - أو يمجدون - هذه الهجمة الأنوية، في الرواية الفرنسية خصوصا، بدءا من أواخر القرن العشرين، وكثيرة هي النظريات والنظريات المضادة والنقاشات التي تتمحور اليوم حول هذه الظاهرة الادبية "الجديدة"، ويبدو لي ذلك كله في غاية العبثية والافتعال، ويليق به وصف الجدل البيزنطي او "الحركة بلا بركة": اذ أين الجديد، سوى التسمية، في ممارسة قديمة قدم الرواية نفسها؟ ألم يكن دون كيشوت أنا ثرفانتس البديلة؟ ألم يعلن فلوبير: "مدام بوفاري هي أنا"؟ ألم يقل دانتي إنه، في "الكوميديا الإلهية"، كتب نفسه في كل متغيراتها واحتمالاتها؟ هل ثمة حقا رواية مضمونها مئة في المئة تخييلي، متحرر من اي احالة ذاتية، وإن تفصيلية؟
التخييل الذاتي موجود منذ وجد النص، بل هو جزء جوهري من مفهوم الرواية، وإن كان يمكن ان نميّز فيه مستويين مختلفين: الاول هو التخييل الذاتي اللاطوعي، أي المنطلق من محاولة "صادقة" لكتابة سيرة ذاتية، لكنها سيرة تشوبها، على غرار كل السير الذاتية تقريبا، اختراعات واضافات والغاءات وروتوشات وتلاعبات بالواقع الموضوعي المعيش. الحوادث هنا حقيقية مئة في المئة، لكن الذاكرة - المخرّبة بطبيعتها - التي تستحضرها، واللغة التي تعبّر عنها، تساهمان في تحريفها. أما المستوى الثاني فهو التخييل الذاتي عن سابق تصور وتصميم، أي ذاك الذي يتقصد المزج بين المعيش والمتخيّل، فتتشابك فيه ذكريات حقيقية مع أخرى مخترعة، وشخصيات من الحياة مع شخصيات روائية، حدّ امحاء الحدود بين الفئتين واستحالة التمييز بينهما. يقال إن هذا النوع من الكتابة يهدف الى حل بعض الازمات المرتبطة بالسيرة الذاتية، وان مستقبل السيرة الذاتية هو التخييل الذاتي، كونه ينقذ من "الاحراج الاوتوبيوغرافي"، اذ يتيح الكتابة عن الذات تحت ستار التخييل. فعلا، "القناع" الروائي يرفع الكثير من حواجز الرقابة الذاتية ويمنح المؤلف الحرية التي يمنحها الكذب عادة، ويسمح له بالذهاب بعيدا، بخفة المصاب بالسكيزوفرينيا، في استكشاف المسكوت عنه. وصحيح ان هذا القناع يضعنا في منطقة الالتباس والشك والاحتمال، لكن ألا تتحرك كل "أنا" اصلا في تلك المنطقة؟ أليست الصورة التي تعكسها لنا مرآة الرأس عن انفسنا هي صورة ذاتية حكماً، وكل "أنا" أليست، تاليا، تخييلية الى حد كبير؟
ترى كم من الروايات التي قرأنا هي في الاصل سير ذاتية؟ وهل من حقوق القارىء أن يعلم سلفا ما اذا كان الذي يقرأه تحت عينيه حقيقيا ام مخترعا؟ في رأيي، لا. فللقارىء حق على جودة النص لا على "اصالته"، أما حقيقة المروي فليست من شأنه.
قال جيرار دو نيرفال: "أن نخترع يعني في الحقيقة أن نتذكّر". من البديهي إذاً أن تكون أنا الكتابة "ملوثة" بأكاذيب الخيال والذاكرة والعكس بالعكس.
أو حريّ بي ان اقول: لحسن الحظ.

the gospel
Admin

عدد الرسائل : 1420
تاريخ التسجيل : 25/02/2008

https://elmase7kam.yoo7.com

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى