المسيح قام بالحقيقه قام
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

حول الكتابة

اذهب الى الأسفل

حول الكتابة Empty حول الكتابة

مُساهمة من طرف the gospel الإثنين 3 مارس 2008 - 23:13

حول الكتابة
بقلم: المطران جورج خضر






السؤال الاول: لماذا يكتب من يكتب؟ الجواب ان كان أديبا انه لا يستطيع ان يفعل غير هذا. تلك حال الرسام او بيتهوفن لمّا وضع السيمفونية التاسعة. كان اصم اي لم تسمعها اذناه. كيانه وضعها وكيانه تقبلها بعد ان اعاد قراءتها. فيك جنين ان كنت اديبا وهذا الجنين يجب ان يخرج، انت تلد ولا تسأل نفسك لماذا تلد ولا يمكنك ان كنت مبدعا ان تضع الجنين لحظة واحدة قبل ان يشاء هو ان يخرج. اجل هناك لعبة بين انفعالك وصياغتك. ذلك لان الابداع ليس خارجا عن العقل. ولكن ان استخدمت العقل وحده فأنت عالم (في التاريخ، في الاقتصاد، في الفيزياء) ولكن ان خرجت الى الكون شاعرا ام ناثرا شبه شاعر فالقلب والعقل متمازجان او متناضحان.
نحن في سر كامل في ما يتعلق بنشوء الجنين. كان الشاعر الالماني العظيم ريلكه يقول: "لي قصائد لست انا واضعها" واراد بذلك الالهام او شيئا اعظم منه او وراءه. وقالت لي شاعرة: "عندما اعيد قراءة قصائدي لا اصدق اني كاتبتها". في العصور الوثنية كانوا يؤمنون بآلهة الشعر، وعند العرب عبقر موضع كثير الجن. ويقال عن انسان انه عبقري لاعتقاد القدامى ان "روحا" ما وراء الخلق الغني الجميل.
من انتج جمالا باهرا قولا او كتابة وكان فيه مسحة روحية له ان يحس ان هذا اتاه من الله اذ تدل المقارنة بين النصوص على ان بعضها ضعيف او عادي وان اي من اخذ القلم قادر عليه، ولكن ان كانت ثمة التماسات نادرة الوجود في النطق فله ان يحس ان هناك من دخل الى روحه او حركها او ألهبها وانه يأتي هو من آخر. غير ان هذا النتاج لا يمكن ان يكون الهيا ما لم يكن ملتصقا بالحقيقة والسمو. الفاسد خلقيا لا ينتج شعرا عظيما او قولا حلالا. علمنا الاغريق الا نفصل بين الحقيقة والخير والجمال. قلمك بديع ان كانت نفسك بديعة عندما تنتج. لذلك كان التأليف الجميل ثمرة التوبة او طريقا اليها. قد يكون فيك شوق الى البهاء الروحي فتضعه كلمات او تكون بعد تمزق ملت الى الله فتعبر عن روحه بكلمات بشرية.

السؤال الآخر الذي يطرحه الناس كثيرا: لمن تكتب؟ عندي جواب بسيط وجواب اكثر تعقيدا. اذا اتخذت موقف المعلم لفئة الصغار او فئة اكبر ولكنها ليست عظيمة الثقافة تضع الكلمات القادرة هذه الفئة على ان تستوعبها اي يكون اسلوبك التربوي كثير الوضوح وتبسط الكلمات والتركيب حتى الشفافية الكاملة لانك اخترت ان تكون مربيا او اختار لك ذلك وضعك. وتبقى مع ذلك عندك لعبة القلب والعقل فتبقى لك نفحات القلب ضمن تغليب العقل المربي. واذا لم يكن عندك قلب ملتهب لا ينفع عقلك في حال ولكنك تحاول تطويع الشعور للفكر بعد أن اخترت التبليغ رسالة لك.
اما الشق الاكثر تعقيدا في السؤال فينشأ اذا اخترت نخبة من القراء وقدرت انك تستطيع ان تبلغهم ما شئت تبليغه. مع ذلك قيل لابي تمام: لماذا تكتب ما لا نفهم؟ اجاب لماذا لا تفهمون ما اكتب؟ هناك تمرين على البلاغة وعلى امتصاص الكلمة ان شئت على الا تفوت عن نفسك الجمالات.
اما اذا احس الكثيرون انهم لا يفهمون هذا مبدئيا يشعر ان الكثافة الوجدانية فيك بلغت مبلغا لا تقرب منها الكثافة الوجدانية عند بعض من قرائك. وقد يعثر بعض منهم على مفردات لا يعرفونها او على تركيب لجملك لم يألفوه. لذلك وضع العرب شروحا لدواوين كبار شعرائهم ظانين ان تحويل الشعر الى نثر يقرب القارئ من الفهم. عندي ان هذا يساعد قليلا لان الشارح ولو استطاع ان يوضح المفردات الا انه لا يستطيع ان ينقل لك الحالة الشعرية. لذلك كان السؤال الحقيقي: كيف تتقبل؟ هل تكون هيأت نفسك لدخول الحالة الشعورية عند من كتب؟ هل صرت انت من طبيعة هذا الذي كتب؟
الحقيقة ان الذي ابدع حقيقة كلامه لا يستطيع ان يخلق الجنين الذي فيه، فيأتي الكلام بلا افتعال ولا يكتب عند ذاك كمجرد معلم للاطفال او من كان يتجاوز الطفولة الفكرية. يكتب لانه احس ويرصف كلماته طاعة لما اوحي اليه ويعرف ان غير ذلك اسفاف. عند الوجدانيات العميقة لا يكتب الكاتب لجمهور محدد. ولكنه طبعا يتوخى التواصل بعد ان عجز عن ان يكبت ما في نفسه، فتأتي نفسه كما نحتها الله كتابة، ويبقى عند القراء ما يبقى وقد ترث قلة ما اعطيت وتنقله باسلوبها للآخرين او تطلع الاجيال الآتية فتفهم.
واحيانا يذهلك ان من نسميهم بسطاء يصلون الى عمق قصيدة او ما يشبه القصيدة لان قلوب هؤلاء تكون قد فتحت عقولهم لتتلقى، وكأن المسألة لم تبق مسألة فئوية اذ الاصطفاف ليس دائما اصطفاف كتل عقلية بل كتل روحية. ان ذلك سر لا نستطيع سبر غوره حقا.
لذلك لك ان تصبح قادرا لتحسس نص يضعه من اختلف عنك بالمعتقد او بالمذهبية الشعرية او النثرية اذ يدق الموضوع والمرصوف باب فهمه وتنشأ وحدة بينك وبين قارئ يكون على الضفة الاخرى من المعتقد او المذهب الفني لان هناك عمقا واحدا عند المتحضرين او المؤمنين بالقيم العليا التي توحد نفوسهم والنص. هناك انصهار روحي مهيأ بين نفس الكاتب وادراك القارئ، ذلك اذا كان النص على كثير من الوضوح عند من ألف واذا كانت نفس القارئ على هذا الوضوح.
انا من اتباع الوضوح اذ لا بد من جسر بينك كاتبا وبين من يقرأك اي اذا كانت هناك بلورية مشتركة، لان الغموض لا يصل اذ لا بد من شيء من المعقولية لتخاطب القلوب ولا يكفي ان يرمي علينا الاديب انفعالاته لتبلغ نفس القارئ. المضمون المعقول يبلغ من وجب ابلاغه. هذا لا مفر منه اذا اعتقدت ان نفسك حاملة رسالة.
الشيء الآخر الذي لا بد لي من قوله في هذا السياق ان الكاتب يجب ان تكون نفسه موحدة انا اقول مع ربها وقد اقول موحدة بالقيم. والذي لا يحيا هذه القيم او كانت نفسه معطوبة فليس عنده ان يعطي شيئا. يقدم ظاهر الكلام وألفاظا قد تكون جميلة على الصعيد الاستاطيقي ولكنها لا تقع جميلة في النفس فلا تجملها. واذا لم تستلم حلاوة داخلية لا يكون القائل حاملا هذه الحلاوة.
سؤال آخر طرحته قديما على نفسي غير مرة وهو ما الفن؟ هل هو نتيجة تمزق داخلي او ألم، وهل الالم وحده ناطق ام للفرح ان يكون ناطقا؟ مررت طويلا بهذه المسألة حتى نبهني احد الى ان المتصوفين عندنا وعند المسلمين اهل فرح بالله، وفهمت ان الله الذي هو في هؤلاء اعظم شاعر. الحلاج لم يكن ممزقا او متعبا. القديس سمعان اللاهوتي الحديث في بيزنطية لم يكن ممزقا ولا متعبا. واستطيع ان اذكر غير هذين ففهمت انه اذا كان من الم داخلي عند شاعر فلا يستطيع ان ينتج شيئا عظيما الا اذا وضع نفسه في حال الخروج من الالم. افهم ان الالم تصدر عنه صرخات شعرية، ولكني اعرف ايضا ان الفرح تصدر عنه تنهدات تأتي من الاقتراب من الله وان كان لا بد من لعبة شعرية يلبسها فرحه. نبقى في السر الكامل.
غير اني ابقى حزينا بعد ان امست البشرية عندنا وعند الآخرين قليلة الانتاج للشعر او ما يشبه الشعر وصارت مسطحة الادراك للكلمة الوجدانية. هل نحن تحت تأثير الصورة وبتنا في حضارة الصورة وهل اغلق الكتاب؟ لا افقد املي في ان الكتاب لا يموت وان التكنولوجيا المصورة لن تسعدنا الى الابد. انا واثق من ان الصورة التي تردنا وحدها لا تنقل الينا النفس المعذبة او النفس الفرحة وان الانسانية بعد هذه السكرة لا بد لها ان تستيقظ لتتمتع بالكلمة الجميلة تلك الناقلة للحق، ذلك لان الصورة وحدها لا تحرر والحق يحرر.
انا لست ضد الكتابة ان كانت غاية في التبسيط فهي لها منافع لاوساط كثيرة، لكن الكلمة الملهمة اذا انبثقت من الكيان الداخلي عميقة براقة فيها دائما تكليم وان الحقيقة التي في كل انسان متنور تتقبلها. من يعطيني ان تكون مجموعات من البشر افاض الله عليهم نورا قادرة على ان تتحرك داخليا وان تسمو وتتطهر.
والقارئ الكبير يصير ما يقرأ، فان قرأت ما هو عظيم تصبح بدورك ما انت قارئ. ان علماءنا في الاسكندرية في القرن الثالث للميلاد لما ابتغوا ان يشرحوا كلام المسيح: "انا خبز الحياة" قالوا انما هذا الخبز هو كلمة الحياة. سعيك اذاً ان تفتش عن كلمات تحيا بها. هناك في البشر من له ان يعطي كلمة حياة اذا هو بلغها كائنة ما كانت طريقته في الاداء. قد يكون فقيرا في اللفظ ولكنه اذا تفوه بكلمة نارية تصبح فيك نارا ونورا.

the gospel
Admin

عدد الرسائل : 1420
تاريخ التسجيل : 25/02/2008

https://elmase7kam.yoo7.com

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة


 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى