المسيح قام بالحقيقه قام
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

الرواية قول ثقافي

اذهب الى الأسفل

الرواية قول ثقافي Empty الرواية قول ثقافي

مُساهمة من طرف the gospel الإثنين 3 مارس 2008 - 23:06

الرواية قول ثقافي
بقلم: الهام منصور


لا يملك المثقف سوى القول، ولكل ميدان ثقافي قوله الخاص القائم على مفاهيم اي أدوات بها ينهض وبها ينوجد متميزا متمايزا. من هذه المقدمة السريعة أدخل الى القول الروائي وأبدأ بطرح سؤال أولي لا بد منه: هل القول الروائي هو قول ثقافي؟ أطرح هذا السؤال لأن متابعتي للرواية عامة واللبنانية منها خاصة دفعتني الى ذلك، فما وجدته من استهتار بهذا البعد الفكري والثقافي عند العديد من روائيينا دفعني الى تساؤلات ربما خطرت على بال الكثير من القراء: هل يا ترى كانت جدتي، رحمها الله، أهم روائية من دون ان تدري؟ وهل إن دوّن أحدهم القصص التي سمعها من جدته وهو طفل او إن لملم، من هنا او هناك، قصصا مبعثرة وحبكها بلعبة فنية مصطنعة يصبح قوله قولا روائيا؟
على هذه التساؤلات أجيب بأن الرواية قول ثقافي بامتياز لأنها المجال الأرحب الحاضن لكل الميادين الثقافية والفكرية التي يتم إخراجها بقول خاص هو النص الروائي. فالرواية التي لا تقوم على هم ثقافي فكري هي حكاية، حتى وإن أتقن صاحبها بناءها وأكثر من أصواتها وأخرجها وفقا لقواعد النقد الأدبي السائد. الرواية/الحكاية هي التي تُقرأ وتُروى بينما الرواية/الرواية هي التي تُقرأ ولا تُروى لأن البعد الفكري الثقافي الذي تحمله او يحملها هو خارج النص، خارج السرد، خارج الأحداث المروية التي لا يستقيم دورها إلا حين تأتي تمثيلا على البعد الثقافي الفكري. ربما انبرى، هنا، بعض النقاد لرفض هذا الكلام، وأقول لهم: إنكم برفضكم هذا تدافعون عن دوركم وليس عن الرواية لأن الرواية تأتي قبل النقد لا بعده، هو تابع لها، بينما الرواية/الحكاية تتبع النقد ومقولاته لاسترضائكم واستدرار كتاباتكم المداحة لها. الرواية التي يكون انهامها هو الثقافي الفكري لا تأبه بما سيكتبه عنها النقاد لا بل هي التي ترسي قواعد النقد الذي سيأتي بعد تراكمها.
أما عن فنية الرواية التي يركز عليها النقد إجمالا فهي <اللعبة> التي يلجأ اليها الروائي كي يُخرج ما يريد قوله. فكاتب الرواية/الحكاية يدرس أولا قواعد النقد ويحاول إلباسها أحداث حكايته فيكون بذلك كالمثقف <عارض الأزياء> الذي تكلمنا عنه في مقالة سابقة، أما كاتب الرواية/الرواية فلا يكترث بقواعد النقد لأن همه الفكري الثقافي هو الذي يبدع فنية نصه، ولهذا السبب نراه في كل رواية يبدع لعبة فنية خاصة بها فتأتي فنيته من داخل النص إذ لا يعود هناك من تمييز بين القول وفنيته، وهنا يقف النقاد امام جديد لا يعرفونه، أمام نص لا يجدون له مرجعية يرتكزون عليه لنقده فيصابون بالدوار وتكون ردة فعلهم إما الشتيمة وإما الصمت، وكلاهما واحد بالنسبة لصاحب القول الروائي لأنه دليل على العجز مع فارق بسيط بينهما وهو ان الصمت أدهى وأخبث من الشتيمة.
لكن القول الروائي هو، كما كل قول ثقافي آخر، مرسل الى متلق يقرأ النص، مرتكزا على خلفيته الثقافية، وهنا يتبدى الاختلاف بين قارئ وآخر، اي بين القارئ الأمي والقارئ المثقف، الأول يلهث وراء الحكاية والثاني يبحث عن المعرفة والمعنى. وإن عدنا الى غالبية القراء العرب نعرف أنهم يتميزون بأميتهم التي يعكسونها على النص وهنا يظهر رواج الرواية/الحكاية بينما تبقى الرواية/الرواية محدودة الانتشار، قراؤها النخبة المثقفة فقط، وهي بذلك لم تكن قد أخطأت الطريق لأنها بالأساس كانت موجهة الى هذه النخبة، التي، على عكس المافيات الترويجية، لا تحول الانتاج الفكري الى سلعة تجارية..
أما الانتشار اليوم فإنه يعني تخطي البعد اللغوي وصولا الى <العالمية>، وهنا نلاحظ الهرولة وراء الترجمة، وهنا بالتحديد يدخل السياسي على الثقافي فيترجم الى اللغات الغربية. اما <الرواية> التي تكون قد روّج لها في العالم العربي فهي الرواية/الحكاية التي تعطي دليلا للغرب على تخلفنا ودونيتنا والتي بدوره يتلقفها ويترجمها للبرهنة على ما يحاول تأكيده وبالتالي على ضرورة تحكمه بنا. هذا من جهة، أما من جهة ثانية فإن الغرب يبحث عند العرب والعالم الثالث إجمالا عن الرواية التي قولها هو قول سياسي يصب في مصلحته او يروج لرؤيته حول المقولات المطروحة اليوم في التداول مثل الديموقراطية والسيادة والاستقلال وغيرها. أما الرواية/الرواية التي قولها يضاهي او يتفوق على قول الرواية الغربية او التي قولها يعارض او يتصدى للمفاهيم السياسية الغربية السائدة، فإنه يتجاهلها ويبعدها عن مؤسساته المنشغلة بالترجمة.
يبقى أخيرا ان نشير الى جنس القول الروائي حيث كثيرا ما نقرأ ونسمع عن الأدب النسائي، فما هو المقصود بهذا التعريف؟ هل هو النصوص التي تكتبها النساء فقط، أم أنه يحمل بعدا اختلافيا آخر يميزه عن الكتابة الذكورية؟ ان متابعتي لما يسمونه أدبا نسائيا جعلني لا أميز بين غالبية الكتابات التي تحمل عنوان الأدب النسائي والكتابات الذكورية إذ ان القول هو واحد في الاثنتين. اما الكاتبة التي لا يختلف قولها عن القول الذكوري والتي تقبل بأن تصنف نصوصها بالأدب النسائي، فهي تماما كالمثقف <عارض الأزياء> تستعمل قلمها لتحيّك لنفسها زياً ذكورياً يخفي جسدا أنثويا مهمشا او ملغىَ. ان قلم الكاتبة هذه هو قناعها الذي تخفي وراءه ذاتها مستكينة الى كونها موضوع القول لا قائله.

the gospel
Admin

عدد الرسائل : 1420
تاريخ التسجيل : 25/02/2008

https://elmase7kam.yoo7.com

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة


 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى